#
#
الرئيسية /عصير ثقافي
عصير ثقافي

سلسلة بنات أفكاري .. هل حدث وفهمت نافذة..! ل: الكاتبة فاتن علوش

03/13/2023


النافذة هي أكثر ما يمكن أن يجذبني في شارع ما.. فكل ما مررت بجانب نافذة أتساءل ماذا يجري خلفها هل هي دمعة أم بسمة.. ضوء أم عتمة؟


وتجيبني النوافذ..! 

 بعضها  يضحك عاكساً فرحَ البيت.. تنفتحُ صباحاً لتتطاير ستائرها البيضاء مرحبة ومستقبلة الشمس بين ذراعيها.. وتفوح منها رائحة ممزوجة بحبٍ وفرح.. وضجة من نوع جميل تتسلل منها لتخبرك أن سكانها سعيدون.. يحتفلون بالصباح.. بضوء الشمس يرحبون.. يمكن أن تكون عائلة جميلة توثّق ما قُسِم لها من فرح العمر.. قبل أن يمضي العمر..


 النافذة تشي بسكانها.. فإن وجدتها مغلقة بستائر قاتمة ذلك يعني أنها تهرب من مصافحة الصباح.. ومن مواجهة الحياة.. ستخبرك أن ساكنها وحيد.. حزين القلب متعب يقلب دفاتر العمر وحده.. أو ييحدق بألبوم صور قديم يبكي ما ضاع منه.. لا ضجة ولا صوت سكون تام يعلن مأساوية المكان..


النافذة لا تحفظ سراً.. فهي تبوح بخبايا الروح.. فإن وجدتها مضاءة ليلاُ بالشموع.. فهي تعلن الحب ولا شيء أكثر جمالاً وسحراً وحميميةً من نافذةٍ مضاءةٍ بالشموع.. 


للنافذة شكل وصوتٌ جاذبٌ.. وأكثر إثارة ووضوحاً من ما نراه أمامنا في وضح النهار.. 

خلف هذه النوافذ روحٌ تحلم بالحياة.. روحٌ تعيشها.. وأخرى تهربُ منها وتلعنها.. خلفَ هذه النوافذ أرواحٌ متعبة وأخرى هاربة.. والقليل من الأرواح التي تحيا الحياة..


تُعرَفُ روح النافذة من إطلالتها..  فمنها ذات الستائر القصيرة البيضاء المطرزة بخطوط راقية تعكس دفءَ وحميمية المكان.. كفتاة شابة بكامل أنوثتها.. ومنها من تكون ستائرها مكونة من عدة طبقات تخنقها وتخنق  النور خلفها فتطفئ روح المكان كامراة متعبة أضاعت بوصلتها.. 


وأنا من عشاق النوافذ.. أبحث عنها في كل مكان.. في البيت.. وفي وسائل النقل.. أستند عليها وأغرق في التفاصيل التي تمر بها دون أن أرى شيئاً من هذه التفاصيل.. لتأخذني النافذة إلى تفاصيل أخرى وكثيرٍ من الأفكار.. تأخذني الى نوافذ أخرى بعيدة.. كانت تطل على الحياة.. أيام كانت النوافذ تستعير من الشمس نورها فتنلأ البيت دفئاً ونوراً.. وأعود لنافذتي لا شيء معي إلا الذكريات.. أتابع واقعاً حولي هو في سباقٍ دائم.. واقعٌ لا يكف عن السباق.. كل شيء حولي كأنّه في سباق.. حتى الليل والنهار.. الحياة كلها تجري بسرعة.. ولا أحد يعير انتباهاً للنوافذ..  لا أحد يفهمها.. 

لم يعد لدينا وقت للنوافذ..

الكاتبة : فاتن علوش