لست من هواة متابعة كرة القدم.. ومع إقراري بأن الجدوى الاقتصادية التي قد يجنيها السعوديين قد تتجاوز أضعاف أضعاف المبلغ المرصود كراتب سنوي لكريستيانو " ٢٠٠ مليون يورو ".
لكني أجد أن التصفيق لارتفاع جنوني لمدخولات العاملين في مجال الترفيه سواء كان رياضياً أم فنيا، لهو تشجيع أحمق للمزيد من توحش الرأسمالية.
على كاهل العمال والموظفين البسطاء بُني الاقتصاد الأوربي
وبالتالي نهضة أوربا، ولا يتجاوز راتب أحدهم بعد حسم الضرائب ٢٦٠٠ يورو "في أحسن الأحوال".
يتحمل المدرسين ومربيي الروضات مسؤولية جيل بأكمله وتتراوح رواتبهم ما بين ال١٨٠٠حتى ال٤٠٠٠ يورو
موظفي الصف الأمامي.. الأطباء، الممرضات، العاملين في دور رعاية المسنين، المسعفين، عناصر الشرطة، كادر الدفاع المدني والإطفائية.. تتراوح رواتبهم أيضا ما بين ال١٨٠٠ يورو حتى ال٥٠٠٠ يورو.
ينفق هؤلاء جميعهم ٦٠ ٪ من رواتبهم على دفع الإيجارات والفواتير الشهرية والمواصلات، ليتبقى لديهم ٤٠ ٪ فقط للطعام والمعيشة دون بقاء أدنى حيز مادي للادخار أو الاحتياط، ومع التضخم الاقتصادي وموجات الغلاء المتتالية باتوا جميعا يواجهون صعوبة حقيقية في الحفاظ على مستوى معيشي مقبول لهم ولأسرهم.
يعمل هؤلاء جميعا ٨ ساعات يوميا، ويداوم أغلبهم أيام الآحاد والعطل وينفق أغلبهم ما يزيد عن ساعتين في طريقه من وإلى العمل بشكل يومي، ناهيكم عن العمل في ورديات مختلفة.. في الصباح والمساء والليل إضافةً إلى الخضوع إلى قوانين عمل مبطنة تقرها الدولة " للأسف " تتيح لأرباب العمل التعسف في إصدار الانذارات أو حتى قرار إنهاء العمل مما يضع العاملين تحت شعور مستمر بالضغط وانعدام الأمان الوظيفي.
جميل أن يجلس كل هؤلاء مساءاً إلى شاشة التلفاز ليرفهوا عن أنفسهم بمشاهدة مباراة كرة قدم أو مسلسل أو فيلم جميل وشيق... هم يستحقون الترفيه بعد كل هذا الجهد والعناء في يومهم، لكن أن يتضخم أجر من بُدع للترفيه عنهم لتصبح قيمة مجهوداته في ترفيههم آلاف أضعاف قيمة ما يتحصلون عليه من أجور.. فهذا أمر غريب ولا أخلاقي وغير مقبول ومجاوز للحد وحتما غير عادل.
لقد كانت المعادلة بخصوص تحقيق استقرار مهني واقتصادي في الماضي القريب بسيطة.. ادرس أكثر، اعمل أكثر، اعمل بذكاء تحقق المزيد من النجاحات.. فهل ما زالت تلك المعادلة ذات فعالية؟
أم أن المعادلة الجديدة " التسليع " التي مفادها: اجعل من نفسك سلعة وقم ببيع نفسك، هي المعادلة الواقعية التي قد تصرف أجيالا قادمة عن مسار تقليدي في حيواتهم المهنية ليرونه مسارا غير مجدٍ ولا يستحق كنتيجة محققة في النهاية بذل الكثير من الجهد والتعب.
لمَ تدرس أو تعمل الفتاة x. لأكثر من ١٦ عام حتى تنهي الجامعة وتبذل الكثير من الجهد والمال، في الوقت الذي قد يجعلها فيديو قصير يظهر فيه مفرق ثدييها على برنامج مثل التيكتوك نجمةً ويملئ حسابها بالنقود دون أيما عناء؟
ولربما عزم الفتى y ذو ال١٤ عام على الغاء كل أحلامه المهنية والدراسية والاعتكاف على لعب كرة القدم إيمانا منه أن اتقان اللعبة سيدر عليه أضعاف مضاعفة ألف ضعف مما قد يجنيه ما لو أصبح طبيبا أو مهندسا أو محاميا أو قاضيا أو صاحب حرفة أو معلما أو شرطياً أو حتى وزيرا أو رئيساً للبلاد!
قد تبدوا خيارات x وy، مخيبة للآمال.. أليس كذلك؟!، لكنها وللأسف واقعية وبرغماتية للغاية.
انا ممن كفروا منذ زمن بالشيوعية الكلاسيكية بكل ما أوتيت من قوة عقلية ووجدان، لكني ما زلت مؤمنا بأن الحل الوحيد لإيقاف هذا التوحش الرأسمالي التسليعي هو أن تفرض الطبقة العاملة ديكتاتوريتها على السوق.
لن تكون النتائج وردية في البدايات، لكن بعد جولات وتجارب قد نصل إلى حال منصف للجميع ولو كان هذا الإنصاف نسبياً.
---------
الكاتب: أسد القصار