#
#
الرئيسية /إشكالات اجتماعية
إشكالات اجتماعية

فن الاقتراب..

02/07/2023

في الحياة يصعب علينا تقبُّل فكرة أو شخص غصبا. يصعب تقبُّل من لا نتقاطع معه بشيء.. فكل شخص منا محاطٌ بهالة تحميه نفسياً واجتماعيا.. أي أنَّ له تردده الخاص.. فلا يمكننا الاقتراب من هذا الشخص إلاّ إذا استطعنا قراءة هذا التردد (فهم شخصيته).. قراءة إيماءاته وأفكاره... فمن يقرأ هذا التردد يسهل عليه الدخول إلى هذه الهالة ويكون أقرب..

 

فن الاقتراب هو فن يكتسبه الشخص أُسرياً.. هو ليس درساً أو عِلماً.. هو ما نسميه في مجتمعنا الذكاء الاجتماعي..

 

هو فن كامل.. يشبه إلى حد ما فن الرسم.. فالرسام لديه القدرة على دمج الألوان.. وفي الاقتراب يجب على الشخص أن يمتلك القدرة على تحليل لون الشخص المقابل ومحاولة إيجاد لون قريب منه عن طريق دمج الألوان في داخله.

ويشبه أيضاً العزف على آلة موسيقية.. لكل وتر تردد ونغمة.. وهذا ما يفسر انجذابنا لمقطوعة موسيقية أكثر من أخرى.. فتردد هذه المقطوعة يتقاطع مع أرواحنا..

 

 الاقتراب.. فن وله أدواته.. كأي شيء في الحياة.. هو ممارسة واكتساب.. هو احتراف..

 

(أنظر في عيونه. فإن توسعت الحدقة.. فهذا يعني أن الحب مازال موجوداً في قلبه.. وإن بقيت الحدقة كما هي فهذا يعني أن الحب انتهى..(

 

في مجتمعنا الشرقي.. حيث الذكر يمتلك كل القوانين.. يمتلك كل أدوات القوة.. فله الحق بمثنى وثلاث ورباع.. له حق الاختيار.. وحتى الانفصال.. لذلك نرى أن الأغلبية لا يعنيهم هذا الفن ولا يبذلون جهدا فيه.

وينظر دوما لشريكته على أنها أخصائيته النفسية التي يجب أن تفهمه من دون أن يتكلم.. فيصبح إطار الحوار بينهم ضيقاً جداً.. ويغيب الاستماع.. فتراهما متنافران دون أي تقاطع..

 

 أما عند الأنثى فهو حاجة ملّحة.. فتراها من دون أن تشعر تبحث عن الوجود الدائم لشريكها بقربها.. فتحاول الصعود والنزول إلى تردده لتكون أقرب..

 وتعود هذه الحاجة.. نظرا لطبيعتها الفيسيولوجية والنفسية وأيضا للكثير من الضغوط الاجتماعية التي تواجهها..

حيث أن أغلب النساء في الشرق مازلنَ سجينات عقدة الطفولة..

فقرب الشريك يخلق ذاك الشعور لديها بالأمان.. والحنان.. فتتنفس وجوده لأنها ترى فيه السند.. وأحيانا غياب الأمان والثقة في العلاقة يجعل المرأة دوما بحاجة لهذا الوجود ليطمئن قلبها.

 

 "تسأله: كلما اقتربت منك أحسست أنك بعيد 

يجيبها: لأنك لا تتقنين فن الاقتراب.."

 

 ومع الوقت تغدو هذه العلاقة الغارقة في الاحتياج سجناً خانقاً.. وتتحول إلى قفص.. فتكثر المجاملات.. وتموت اللهفة.. فإن كان الإلحاح سيبقيه فهذا لم يعد حباً.. بل مجاملة وعطفا.. وكما قال جلال الدين الرومي

الحب كالدين لا إكراه فيه “. 

من يحبك سيكون بقربك حتى لو كان بعيدا.

 

لا تكوني سجنه.. لا تحاولي امتلاكه.. ليكن ملجأك ولتكوني ملجأه.. الحب لم يكن يوماً أسراً للحرية.. بل امتداداً لها.. وفيه فقط تكمن حريتنا.. لا تحولي أسمى المشاعر إلى سجن.. فتغدو العلاقة كالسجن والسجان... 

وفي النهاية أقول أتقني فن الاقتراب من عمق قلبك ولا تكوني جسراً بل كوني حديقة وسماء.. كوني أرضاً..

 كوني القرار الذي يعتمد مصيرك عليه وأنت تدافعين عن حريتك.. حريتك التي ستبني أجيالاً من الأحرار إناثاً وذكوراً..


---------

 

الكاتبة : فاتن علوش